الحصار على قطاع غزة وتشديد العقوبات الاقتصادية
خلال شهر تموز 2007، بعد مواجهات داخلية بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة التي استمرت أسابيع، سيطرت حماس على أجهزة الأمن الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة. في أعقاب ذلك، أغلقت إسرائيل المعابر الحدودية بينها وبين قطاع غزة وأحكمت السيطرة عليها وهي اليوم لا تتيح تقريبا الخروج من القطاع أو الدخول إليه أو الاستيراد والتصدير من القطاع.
وقد تم إغلاق معبر المسافرين في إيرز بصورة تامة في الشهر ذاته. وبعد تقديم التماس إلى محكمة العدل العليا من قبل جمعية أطباء من أجل حقوق الإنسان وجمعية مسلك وتم رفض الالتماس، حددت إسرائيل بأنها ستسمح بمرور الأشخاص تحت عنوان "الحالات الإنسانية". وتدل تجربة السنتين أنه حتى في الحالات الإنسانية الصارخة فقد منعت إسرائيل المرور، ومن بين ذلك في حالة العائلات التي منعت من لقاء أعزائها وكذلك منع الجرحى والمرضى الذين يحتاجون العلاج الطبي المستعجل غير المتوفر داخل قطاع غزة. هذه السياسة خطيرة بصورة خاصة نظرا لتردي حالة الجهاز الصحي في قطاع غزة حتى قبل الحصار بسبب غياب الاستثمار في البنى التحتية وتأهيل الأطباء والطواقم الطبية على مدار سنوات طويلة. خلال فترة الحصار تدهور هذا الجهاز أكثر وأكثر بسبب النقص في المعدات الطبية، الأدوية وسيارات الإنقاذ وكذلك انقطاع التيار بصورة مستمرة.
وقد تم إغلاق معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر في حزيران 2007 ومنذ ذلك الحين بقي مغلقا على العموم، باستثناء بعض الحالات التي تتيح لها مصر المرور بالتنسيق مع حماس وذلك لفترات زمنية محددة وغير منتظمة بصورة لا تلبي احتياجات سكان قطاع غزة.
بتاريخ 19 أيلول 2007 قرر المجلس الأمني المصغر في إسرائيل اعتبار قطاع غزة "كيانا معاديا". وترى إسرائيل أن هذا القرار يتيح لها انتهاج خطوات عقابية متنوعة ضد سكان قطاع غزة ردا على إطلاق صواريخ القسام تجاه إسرائيل، إلى جانب تقليص إمدادات الكهرباء والوقود من إسرائيل للقطاع.
في شهر تشرين الأول 2007 قام فلسطينيون من سكان غزة ومنظمات إسرائيلية وفلسطينية لحقوق الإنسان، وبضمنها بتسيلم، بتقديم التماس ضد تقليص الكهرباء والوقود. وجاء في الالتماس أن التقليص سيؤدي إلى مس إنساني واسع إلى حد تشكيل خطر على حياة الإنسان. في نهاية كانون الثاني 2008 ردت محكمة العدل العليا الالتماس وأتاحت التقليص في تزويد الكهرباء والوقود. وقد قبلت محكمة العدل العليا ادعاء الدولة أن قسما من الوقود الذي يتم تزويده يستعمل عمليا لأهداف مختلفة للمنظمات الإرهابية في قطاع غزة وأن تقليص الوقود سيلحق الضرر بالبنى التحتية للإرهاب. كما قبلت المحكمة ادعاء الدولة بأن الاحتياجات الإنسانية الأساسية لسكان قطاع غزة لن تُمس نتيجة التقليص. منذ ذلك الوقت أتاحت إسرائيل إدخال حتى 63% فقط من كمية الوقود الصناعي المطلوب لتفعيل محطة الوقود في قطاع غزة ومنذ شهر تشرين الثاني 2008 حظرت إسرائيل بصورة تامة إدخال الوقود لمدة أربعة أشهر. هذا الوقود يستعمل بصورة حصرية لتفعيل محطة الوقود في قطاع غزة ويتم تمويله من قبل الاتحاد الأوروبي. بالإضافة إلى ذلك، فقد قلصت إسرائيل كميات البنزين، السولار وغاز الطهي الداخلة إلى القطاع.
إن النقص في الوقود يؤثر مباشرة على القدرة على إنتاج الكهرباء في قطاع غزة وشبكات المياه والمجاري المتعلقة بتزويد الوقود لتفعيل المضخات. ومن أجل التعاطي مع النقص الدائم، تضطر شركة الكهرباء في غزة (GEDCo) إلى قطع التيار الكهربائي في مناطق مختلفة من القطاع كل يوم لعدة ساعات. إن الحظر الذي تفرضه إسرائيل على إدخال البضائع إلى قطاع غزة، ومن بينها قطع الغيار لصيانة شبكة الكهرباء، يسبب التشويش والنقص في تزويد الكهرباء.
كانت هناك خطوات اضافية ساهمت في تدهور أوضاع الاقتصاد في غزة الذي كان وضعه صعبا للغاية في الفترة التي سبقت الحصار. وقد قلصت إسرائيل بصورة حادة كمية البضائع التي تتيح إدخالها إلى القطاع وحظرت بصورة عامة التصدير من القطاع.
طبقا لمعطيات الأمم المتحدة، خلال العامين الماضيين منذ فرض الحصار دخل بالمعدل 112 شحنة في اليوم من إسرائيل إلى قطاع غزة (الشحنة= شاحنة مع عربة واحدة مجرورة) مقارنة مع 583 شحنة بالمعدل في اليوم قبل فرض الحصار. بعد حملة " الرصاص المصبوب" على قطاع غزة سُجل ارتفاع معين في معدل الشحنات التي تدخل يوميا إلى القطاع، غير أن معظم الشحنات تحمل الغذاء والمساعدات الإنسانية. وقد حظر بصورة تامة إدخال المواد الخام للصناعة ومواد البناء منذ حزيران 2007. يتضح من التقرير الذي نشره الصليب الأحمر أنه في شهر أيار 2009 دخلت 2,662 شاحنة فقط تحمل البضائع إلى القطاع، وهو ما يشكل انخفاضا بنسبة 80% مقارنة مع 11,392 شاحنة دخلت في نيسان 2007. هذه الكمية، وفقا للصليب الأحمر، أقل بكثير من الاحتياجات المطلوبة لتلبية احتياجات السكان.
بالإضافة إلى القيود على الاستيراد، فقد حظرت إسرائيل التصدير من القطاع بصورة تامة تقريبا. ومنذ فرض الحصار فقد تم تصدير 147 شحنة من الورود والتوت من القطاع مقارنة مع أكثر من 1000 شحنة شهرية بالمعدل خلال الفترة التي سبقت هذا.
إن النقص في استيراد المؤن الأساسية إلى جانب منع التصدير، أدى إلى انهيار النشاط الاقتصادي في القطاع. 90% من المصالح التجارية التي عملت في قطاع الصناعة في القطاع أغلقت فيما تضطر باقي المصالح إلى تقليص حجم نشاطها. وقد أبلغ الصليب الأحمر بعد حملة "الرصاص المصبوب" على قطاع غزة عن إغلاق 3,750 مصلحة وإقالة حوالي أربعين ألف شخص الذين يشكلون 94% من العاملين في هذه المصالح.
إلى جانب ذلك، فقد تقلص احتياطي المؤن الغذائية المستوردة وارتفعت أسعارها بصورة كبيرة فيما تباع الفواكه والخضروات التي كانت مخصصة للتصدير في أسواق القطاع بأسعار بخسة، علما أن هذه المنتوجات بعيدة عن متناول أيدي الكثير من العائلات في القطاع بسبب معدلات الفقر الكبيرة.
كجزء من سياسة الحصار، فقد قلصت إسرائيل المسافة التي يُسمح فيها بصيد الأسماك من 12 إلى 3 أميال بحرية وتمنع وصول صيادي الأسماك في القطاع إلى المناطق الغنية بالأسماك. هذا التقليص يمس قدرة آلاف الصيادين والعاملين في الصناعات المرافقة وأبناء عائلاتهم واسترزاقهم ويحرم سكان القطاع من مصدر غذائي غني بالبروتينات. بالإضافة إلى ذلك، فقد وسع الجيش الإسرائيلي في أيار 2009 المناطق الفاصلة على مقربة من المناطق الحدودية من 150 مترا التي تحددت بعد الانسحاب من غزة إلى أكثر من 300 متر . إن هذا يعني المزيد من المس بمزارعي القطاع الذين يشكلون أكثر من ربع السكان، وتقع حوالي 30% من أراضيهم على مقربة من المناطق الحدودية.
نتيجة لسياسة الحصار على القطاع فقد تطور خلال السنوات الأخيرة اقتصاد خاص بالأنفاق التي تربط بين جنوب القطاع وبين رفح المصرية. خلال هذه السنوات تم إدخال الكثير من البضائع بواسطة الأنفاق التي تشرف حكومة حماس على عملها وتجبي الضرائب عن نشاطها. بالإضافة إلى المؤن الاستهلاكية، فإن الفلسطينيين يهربون عن طريق الأنفاق الوسائل القتالية من أنواع مختلفة، بما في ذلك الصواريخ. في أعقاب توسيع عمل الأنفاق أبلغ في العام 2008 عن عودة منتجات متنوعة إلى الأسواق، وانخفاض معين في أسعار البضائع نتيجة الازدياد في العرض. ومع هذا، فإن إدخال البضائع بهذه الطريقة ليس بديلا مناسبا عن النشاط الاقتصادي المستقر في القطاع.
خلال حملة "الرصاص المصبوب" على قطاع غزة التي وقعت في الفترة ما بين 27.12.2008 وحتى 18.1.2009، فقد ألحقت إسرائيل، بالإضافة إلى المس البالغ بالسكان المدنيين، خسائر فادحة بالمباني السكنية، المصانع والزراعة وكذلك البنى التحتية الخاصة بالكهرباء، الصحة والمياه، وهي مرافق كانت على وشك الانهيار قبل الحملة. خلال أيام الحملة، وصل النقص في الكهرباء في القطاع إلى 75% فيما كان حوالي نصف مليون من سكان القطاع يعانون من انقطاع المياه وسيولة المجاري في الشوارع.
إن إغلاق المعابر أمام البضائع الداخلة يحول لغاية اليوم دون ترميم البنى التحتية الحيوية التي أصيبت خلال حملة "الرصاص المصبوب" على قطاع غزة. ومن بين ذلك، يعاني حوالي 90% من السكان من انقطاع التيار الكهربائي الذي يستمر بين أربع ساعات إلى ثماني ساعات كل يوم ولا تتوفر المياه لحوالي 10.000 مواطن في شمالي القطاع. بالإضافة إلى ذلك، لا يمكن إعادة بناء 3,450 بيتا التي هدمت و- 2,879 بيتا التي تضررت. هناك حوالي 20,000 نازح يعيشون باكتظاظ في شقق مستأجرة لدى أقارب العائلة أو الخيام . كما لحق ضرر بالغ بالجهاز الصحي الذي اضطر خلال الحملة العسكرية وبعدها إلى التعاطي مع آلاف الجرحى ومع أضرار الهجمات الإسرائيلية ضد الطواقم الطبية والمنشآت الطبية.
لقد عمَّق الحصار المستمر وحملة "الرصاص المصبوب" الفقر والبطالة في قطاع غزة. وفقا للإحصاء الذي قام به الصليب الأحمر في أيار 2008، فإن أكثر من 70% من سكان القطاع يعيشون في فقر مع دخل شهري يقل عن 250$ للعائلة المكونة من 7- 9 أنفس (دولار واحد لكل فرد في العائلة باليوم). 70% من العائلات في غزة تعيش في فقر عميق مع دخل شهري يقل عن 120$ (نصف دولار لكل فرد في العائلة باليوم).
75% من سكان القطاع، أي أكثر من 1.1 مليون شخص، يعانون اليوم من النقص في الأمن الغذائي مقارنة مع 56% في العام الماضي، وقد زاد تعلقهم بالمعونات من الخارج بنسبة 5% في الفترة التي سبقت الحصار إلى 26% في العام 2006. طبقا لمعطيات دائرة الإحصاء الفلسطينية، في الربع الأول من العام 2009، فقد كان 41.5% من القوة العاملة في غزة في حالة بطالة عن العمل، فيما وصلت البطالة وسط من تقل أعمارهم عن الثلاثين إلى حوالي 60%.