Admin Admin
عدد المساهمات : 348 نقاط : 5379719 السٌّمعَة : 2 تاريخ التسجيل : 04/03/2010
| موضوع: العنف الأسري بين علم الاجتماع والقانون الثلاثاء أكتوبر 18, 2011 1:44 am | |
| بسم اللــه الرحمن الرحيم مقدمة: يعتبر تعريف العنف بشكل عام، والعنف الاسري بشكل خاص اشكالية شائكة. فهناك تعريفات عديدة يعكس كل منها وجهة نظر المدرسة الفكرية التي يملكها. ومع ذلك يمكن القول انه يكاد يكون من المتعذر فهم طبيعة العنف الاسري دون ربطه ببعض المفاهيم المتصلة به كمفهومي بناء القوة (power structure) والشرع(legitimacy). فالعنف الاسري برأي الاكثرية الساحقة من علماء الاجتماع، ليس سوى: "شكلا من اشكال الاستخدام غير الشرعي للقوة. قد يصدر عن واحد او اكثر من اعضاء الاسرة ضد آخر او آخرين فيها بقصد قهرهم او اخضاعهم وبصورة لا تتفق مع حريتهم وارادتهم الشخصية، ولا تقرها القوانين المكتوبة او غير المكتوبة" (M. Weber, 1964. Pagelow, 1984). وفي الواقع فإن علاقات القوة داخل النسق الاسري ليست سوى انعاكسا لبناء القوة القائم في المجتمع بشكل عام. ذلك البناء الذي يدعم ويعزز علاقات الهيمنة والسيطرة والقهر الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي في المجتمع وفي الاسرة من خلال نسق القيم والثقافة والقانون والمؤسسة الاعلامية. وتعتبر المرأة (بنتا كانت ام زوجة او اختا) اكثر الافراد داخل الاسرة تعرضا للعنف لكونها تحتل مكانة ضعيفة في بناء القوى داخل الاسرة. ان نسق القيم والمعايير في المجتمع هو الذي يحدد ادوار الذكور والاناث، ويفضل الذكور على الاناث ويعظم من سلطتهم العائلية والاجتماعية على حساب تفعيل شأن الاناث وتكريس تبعيتهن وطاعتهن للذكور. ويستمد نسق المعايير شرعيته من روافد ومصادر مختلفة من اهمها الثقافة الاجتماعية السائدة، والتراث الشعبي، والقانون، والمؤسسة الاعلامية، والدين المسيس والموجه. ولو اخذنا الثقافة السائدة كمثال ندلل به على ما نقول فاننا نجد الثقافة السائدة انها لا تعترف بدور الفتاة الا بدورها كربة بيت وزوجة. فالثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة الحاكمة. فلا يجب اذن ان نرى ان القيم السائدة والافكار والاخلاق والعادات والتقاليد هي افكار هذه الطبقة التي تمؤسسها في كافة مؤسساتها. وهذا هو الذي يفسر لنا النظرة الثقافية السائدة نحو المرأة في المجتمع العربي والعنف الذي تتعرض له في القطاعات الاجتماعية المختلطة في المجتمع (الحضري، الريفي، والبدوي)، مع الاقرار بأن هناك عوامل كثيرة تعمل على تباين مدى العنف الذي تتعرض له المرأة، وشكله ودرجة الحدة التي يتمظهر بها في هذه القطاعات. واذا ما حاولنا ايضا تحليل مضامين التشريعات والقوانين الخاصة بالمرأة والاحوال الشخصية، فاننا سنجد انفسنا مرة اخرى امام مؤسسة، المؤسسة القانونية اهم واخطر المؤسسات التي تمؤسس العنف الاسري وتقننه. ذلك لان المؤسسة القانونية هي احد الاجهزة الرئيسة للسلطة الحاكمة التي تقدمها لتحقيق مصالحها الاجتماعية والسياسية. وهذا يفسر لنا طبيعة الايدولوجيا التي يقوم عليها قانون الاسرة والاحوال الشخصية. واذ كنت غير معني بشكل تفصيلي في توضيح وتحليل قانون الاحوال الشخصية المعمول به حاليا في المجتمعات العربية، الا ان التأمل في بعض هذه القوانين كفيل بتوضيح مظاهر التمييز ضد المرأة في مسائل كثيرة كالزواج والطلاق والارث والولاية الى غير ذلك من مسائل يستند القانون في تحديد احكامها على مذاهب واراء فقهية محافظة ولا تستند الى الشريعة الاسلامية الا في ادعائها ذلك. (ليلى عبد الزهاب، 1994). ويعتبر العنف الممارس ضد المرأة سلوكا مؤذيا وضارا وغير معلن في الغالب الا بصورته القصوى وهي العنف الجسدي. وغالبا ما تكون المرأة هي اكثر الفئات تعرضا له وذلك لاحتلالها المكانة الدنيا والضعيفة في سلسلة بناء القوة دخل النسق الاسري والمجتمع على حد سواء (Straus, 1980). فلا عجب ان نرى العنف الاسري يأخذ اشكالا متنوعة من السلوك الذي يعبر عن حالة انفعالية تنتهي بإيقاع الاذى او الضرر بالاخر سواء كان هذا الاذى بدنيا او عاطفيا او اقتصاديا او تربويا او جنسيا. يتضح من هذا، ان المنظور الاجتماعي للعنف شامل، وواسع ويمكن وصفه بانه اوسع واشمل من المنظور القانوني له، لان المنظور القانوني يقتصر على الفعل الجرمي نفسه مغفلا في احايين كثيرة الظروف البيئية والمجتمعية المحتمة لظهور وانتشار العنف وتباين اشكاله وانماطه وحجمه. اضافة الى هذا فإن المنظور القانوني للعنف غالبا ما يغفل العديد من انماط العنف المنشرة في المجتمع ولكنها غير مجرمة قانونيا. واما القضية الرئيسية الاخرى التي لا بد من توضيحها ونحن بصدد تحليل العنف الاسري فهي مشكلة "الشرعية". تثير مشكلة "الشرعية" او عدم "الشرعية" المتعلقة باستخدام القوة او اللجوء اليها في داخل الاسرة الكثير من التساؤلات والجدل. فالحكم على فعل ما بأنه شرعي او غير شرعي هو مسألة نسبية تختلف باختلاف المجتمعات والثقافات. وعليه، فإن دائرة الافعال الاسرية وانماط السلوك التي قد تصنف على انها غير شرعية قد تتسع في بعض المجتمعات وتضيق في بعضها الاخر. ويمكن عزو هذا الاختلاف الى التباين في المرجعية الثقافية لهذه المجتمعات من جهة، ومدى شيوع الوعي بحقوق الانسان والحريات العامة والخاصة في هذه المجتمعات من جهة اخرى. ولقد ترتب على هذا التباين الثقافي والديموقراطي في المجتمعات فروق واضحة في التشريعات القانونية لمواجهة مشكلة العنف الاسري تتماشى مع مدى التقدم الذي احرزته المجتمعات في مجال حقوق الانسان والديموقراطية، ففي المجتمعات التي قطعت شوطا متقدما في مجال حقوق الانسان، سواء على مستوى النص او التطبيق نجد ان قوانين هذه المجتمعات قد حددت تحديدا واضحا لمفهوم العنف بكل اشكاله وتجلياته على خلاف مجتمعات "العالم الثالث" التي لم تصل الى ما وصلت اليه المجتمعات "المتقدمة" من تقدم في مجال حقوق الانسان وحرياته. فإننا نجد ان مفهوم العنف الاسري فيها وآليات مواجهتها القانونية له يتباين بشكل واضح عن تلك الآليات المستخدمة في المجتمعات المتقدمة. كيف يفسر علم الاجتماع العنف الاسري؟ بدأ اهتمام علماء الاجتماع في الغرب بدراسة العنف الاسري، في الحقيقة، متأخرا نسبيا مقارنة باهتمام العاملين في مجال الخدمة الاجتماعية، واطباء الاطفال والاطباء المسنين. ونستطيع القول بأنه قبل عام 1970 لم يكن لعلماء الاجتماع جهودا تذكر في هذا الصدد. ولكن نتيجة لحرب فيتنام وموقف الرأي العام الامريكي فيها كسلوك عنيف، والقتل السياسي، والاحتجاج الاجتماعي العنيف وارتفاع معدلات القتل في المجتمع الامريكي، وعودة الحركة النسوية للظهور اضافة الى التحديات النظرية التي تعرض لها نموذج الاجماع من جانب اصحاب الاتجاه الصراعي، بدأ علماء الاجتماع يوجهون جهودهم لدراسة العنف الاسري للوقوف على اسباب هذه المشكلة ودوافعها وحجمها وتفاعلاتها وآثارها على كل من المرأة والاسرة والمجتمع بشكل عام. (احلال حلمي، 1999). وكان نتيجة هذه الجهود ان تركوا لنا إرثا سوسيولوجيا ضخما يمكن تقسيمه الى اتجاهين / تيارين اساسيين بارزين يتفرع من كل منهما تيارات فرعية. وهذان الاتجاهان هما: 1. الاتجاه المحافظ في دراسة العنف الاسري ويمثله التيار المسمى: البنائي الوظيفي، واتجاه التفاعلية الرمزية، ثم نظرية التعلم، ونظريتي المصدر والتبادل. 2. الاتجاه النقدي والنسوي: وهنا نجد انفسنا امام التيار / النظرية الصراعية، ثم التيار الفينونيولوجي، ثم التجاه النسوي الراديكالي في دراسة العنف. ومع ان الوقت لا يسعفنا في استعراض مفهوم كل اتجاه من هذه الاتجاهات للعنف الاسري بشكل تفصيلي، ومع ذلك لا بد من التأكيد على امر في غاية الاهمية، وهو انه لا توجد نظرية افضل من غيرها في تفسير هذه المشكلة. كما انه لا توجد نظرية واحدة تفسر ظاهرة العنف الاسري بشكل تفصيلي، فهذه المشكلة هي في الواقع مشكلة معقدة ومتداخلة الجوانب (الجانب الطبي والنفسي والقانوني والبيئي والثقافي). لذا، سأقوم بعرض موجز وعام لمفهوم العنف الاسري كما يراه الاتجاه التقليدي بكافة تياراته الفرعية، ثم عرض عام للعنف الاسري كما يراه الاتجاه النقدي الحديث مركزا على التيار الاكثر حداثة وهو التيار النسوي الذي طور مدخلا نظريا معاصرا يسمى النموذج الجنسوي (Gender model) (احلال حلمي 199). اولا: العنف الاسري من وجهة نظر النظريات الاجتماعية المحافظة: يرى اصحاب هذا الاتجاه، وبخاصة البنائيون الوظيفيون ان العنف لا يكمن الا داخل سياقه الاجتماعي. فهو اما يكون نتاجا لفقدان الارتباط بالجماعات الاجتماعية التي تنظم السلوك وتوجهه، او هو نتيجة لفقدان المعايير والضبط الاجتماعي الصحيح. وعليه ينجرف الافراد الى العنف وبمعنى آخر فان العنف، برأيهم، هو احد افرازات البناء الاجتماعي. يحدث عندما يفشل المجتمع في تقديم ضوابط قوية على سلوك الافراد. هذا اضافة الى انه نتاج للاحباطات التي تحدثها اللامساواة البنائية بين الاغنياء والفقراء (structural inequalities). ويمكن تلخيص آراء هذا التيار بالقول ان العنف هو استجابة لضغوط بنائية في المجتمع واحباطات ذاتية نتجت عن الحرمان فالاحباط الناتج عن الحرمان المادي قاس ومؤذ لانه يؤدي الى الايذاء الجسدي للزوجة من جانب الزوج الذي يفتقد الموارد المادية التي تحقق التوقعات المعيارية ومسؤولياته تجاه افراد اسرته. فاذا كان الزوج غير قادر على مواجهة توقعات دوره كمعيل للاسرة بسبب انخفاض مستوى تعليمه، او مكانته المهنية او دخله فإن الضغوط والاحباطات تدفعه الى اسنخدام العنف داخل المنزل. واما الحل الذي يقترحه اصحاب هذا الاتجاه لمشكلة العنف فيكمن في زيادة التكامل الاجتماعي عن طريق ربط الفرد بالجماعات الاولية في المجتمع التي من شأنها اشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية وتغيير وضعهم المهني والاقتصادي وغرس القيم الدينية وقيم الانتماء لديهم. (Coleman, 1984). ثانيا: مفهوم العنف من وجهة نظر الاتجاه النسوي الراديكالي: يرى اصحاب هذا الاتجاه، ان نقطة البداية في فهم العنف ضد المرأة تكمن اصلا في العلاقة التي تربط المرأة بالرجل عبر التاريخ. فالعلاقات الاجتماعية في جميع المجتمعات مبنية في الاصل على سيطرة الرجل على المرأة وتقوم على اساس التقسيم النوعي (الجنسوي). ويؤكد دعاة هذا الاتجاه بأن المجتمعات المعاصرة بالرغم من كل ما طرأ عليها من تغيرات تبقى مجتمعات ذكورية – ابوية، وان الاسرة تشكل بناء على اوامر ابوية، فالاسرة – برأيهم – تقوم بتنشئة الاطفال على اساس يدعم التباين النوعي للادوار مما يحافظ على بقاء واستمرار النظام الابوي. وفي نطاق معارضتهم لمفهوم السلطة الذكورية الابوية طور اصحاب هذا الاتجاه مدخلا نظريا جديدا يركز على العلاقات الاجتماعية الخاصة بمفهوم النوع (Gender) الذي تبلور في منتصف الثمانينات كنموذج نظري يلقي الضوء على عملية التكوين الاجتماعي للذكورة والانوثة كفئتين متناقضتين مع وجود قيم غير متساوية. وباختصار يركز اصحاب الاتجاه النسوي وبخاصة – اصحاب نظرية النوع – على الطبيعة القاسية والخشنة والعنيفة للرجل، وان العنف هو جزء من الظلم التاريخي ونظام الحكم القهري الذي من خلاله يحافظ الرجال على سيطرتهم وتحكمهم في النساء. ان ثقافة العنف السائدة في المجتمع والقيم العنيفة التي تعتبر النساء ملكية للرجل تساهم، برأيهم، في استمرار العنف ضد المرأة (Gelles. R., 1979). وفي الحقيقة فإن مشكلة العنف الاسري ترتبط بالعديد من العوامل والمتغيرات الفردية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية والبيئية الامر الذي يجعل من نظرية واحدة منفردة تدعي تفسيره امرا غير دقيق. ومن هنا جاءت الحاجة الى ضم نظريتين او اكثر احيانا لدراسة العنف لنستطيع تحليل هذه المشكلة. فقد جمع بعض الباحثين بين نظرية النوع ونظرية المصادر (اي بين الاتجاه النقدي الحديث وبين الاتجاه التقليدي المحافظ). اذ ولدت الحركات النسوية الراديكالية ممثلة بنظرية النوع وعيا عاما بظاهرة العنف الاسري الواقع على المرأة باعتباره مشكلة اجتماعية اطلقت عليه مصطلح العنف الحميمي او العنف في العلاقات الحميمية (Intimate Violence) وتقوم هذه النظرية على عدة مسلمات او فرضيات في فهمها للعنف في العلاقات الحميمية منها على سبيل المثال: (Umberson,1998) - التمييز بين مفهومي الجنس والنوع على اساس اجتماعي ثقافي وليس بيولوجي. - يختص مفهوم النوع بالفروقات والاختلافات بين ادوار الرجال والنساء التي تتشكل اجتماعيا عبر الثقافة السائدة والمتغيرة تاريخيا. - تتمثل العلاقات الاجتماعية في المجتمع في تبعية المرأة وسيطرة الرجل واللامساواة القائمة بينهما. وكلها انماط تاريخية تستند الى الواقع. - العنف في العلاقات الحميمة انما تترسخ جذوره في النوع والقوة متمثلا في محاولات الرجال المحافظة على سيطرتهم وتحكمهم في النساء. وهو جزء من العلاقات الانسانية التي تتشكل من خلال التبعية والعنف. (اجلال حلمي، 1999). ونخلص من هذا كله التأكيد على صعوبة الخروج بنظرية واحدة تحلل وتفسر جميع اشكال العنف، والفاعلين له، وكذلك المواقف التي تم فيها هذا العمل العنيف. لذا لجأ علماء الاجتماع مؤخرا الى التخصص في دراسة احد انماط العنف الاسري المتمثل في تعنيف الزوجات، او احد الابناء، او اساءة معاملة الاطفال، العنف ضد كبار السن. وفي الختام نقول: اذا كانت مسألة العنف الاسري مسألة شائكة ومعقدة ولا تكفي نظرية واحدة في فهمها او تفسيرها، فإن الامر كذلك فيما يتعلق بمكافحتها ومواجهتها. فمن غير الانصاف تحميل مؤسسة بعينها مسؤولية هذه المكافحة. فجميع مؤسسات المجتمع المدني مطالبة بهذا. وجميع هذه المؤسسات ستبقى مدانة اذا ما تخلت عن الاضطلاع بهذا العبء. فآثار العنف الاسري السلبية لا تنعكس على الاسرة وحدها فقط، بل تمتد لتطال المجتمع والدولة على حد سواء. المراجع: 1. Coleman, JW. And Cressey, Dr. (1987). Social Problems. NY: Harper and Pow Publishers. 2. Gelles, R. (1979). Family Violence. Sage Publications. 3. Pagelow. MD. (1984) Family Violence. NY: Preager Special studies. 4. Straus. M. And Gelles, R. (1980). Behind Closed Doors: Violence in the American Family. Garden City, NY Anchor/ Doubleday. 5. Umberson D. and Anderson K. (1998). Domestic Violence. Personal Control and Gender. J. of Marriage and the Family. G (May) P.P: 442 – 452. 6. Weber, M. (1964). The Theory of Social and Economic Organization. Glencoe, Free Press. 7. اجلال، اسماعيل حلمي (1999)، العنف الاسري. القاهرة: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع. 8. ليلى عبد الوهاب، (1994). العن | |
|